عصفورة الجنة بقلم:فاطمة منزلجي

نجمتي الصغرى ، الحمامة التي ترقص بين الفاتنات في سهرة فرح لقريبة لي، ترقص وتغني وهن يصفقن لها بكل فرح وسرور ، ويسألنني ما أجمل طفلتك؟!
ما أروعها سبحان من خلق وصور!
ما اسمها ؟!
أجبت : قمر!
الله !!! جميلة رائعة نقطة في المصحف !
نعم هي في الصف الثالث، ومحبوبة من قبل رفاقها ومعلمتها والإدارة ، قمر في قمة الإجتهاد والتهذيب! وتركض قمر إلي تخبىء وجهها الذي يغلفه الإحمرار!

كما في كل يوم تأتي من المدرسة تهرع إلي بمريولها الأزرق وضفيرتيها الذهبيتين ووجنتيها المتوردتين تدلان على عبث وطيش ولعب ، تسرع بعبارة : ماما هل تريدين شراء بعض الحاجيات من الخارج؟!
هل تريدين أن أشتري لك بعض الخضار التي تنقصك لتحضير وجبة الطعام؟!
أبتسم وأجيب مبتسمة: تريدين أن تشتري الشيبس، أم قطعة بسكويت؟!
تغلف الخجل بقبلة وضمة قائلة : ماما لك والله لك!
هرعت إلى خزانتي الخشبية، وأخرجت ورقة المائة وقلت لها: قمر خذي واشتري لي مضمون ما خطته لك في قصاصة الورقة، لا تحدثي أحدا، ولا تتكلمين مع غريب في الطريق ، وأسرعي ماما في الرجوع فقلبي ينفطر إذا تأخرت قمر!
في كل يوم عندما أرسلها ، تجيب ماما : حفظت الدرس ، ولا تخافي علي أبداً

في نهار مشمس جميل أرسلت بقمر لشراء العصير و كيس الشيبس المفضل لها في فترة راحتها مابين تحضير الدروس.
مضى وقت ، وقمر لم تجيء؟!
تململت، انشغل بالي، بت أروح وأجيء في أرض البيت، اقتربت من ضجيج ، وأصوات تعلو شيئا فشيئاً في الشارع، وصراخ، لم أقدر إلا أن أضع غطاء الرأس، وتراءى لي خيال جسد طفلة ملقاة على جانبي الطريق. سمعت ضجيج سؤال لمن هذة البنت؟!
مشيت فإذا بقمر ملقاة وهي عارية من اللباس؟!

كل من حولي صعق لسقوط القمر!

كل من حولي ودع وبكى وصرخ!
وقمر راحلة نحو الجنة ، والبشر تسير بها وتكبر؟!
جف دمعي ، انفطر قلبي، ولم يسقط دمعي على القمر!

أنتظر عقوبة الشنق!

و أنتظر عقاباً لمن شنق البراءة بشهوة حيوانية!

وأنا المشنوقة المصلوبة لغياب القمر!
قمر التي راحت لتجلب وتشتري لها قطعة حلوى.
فمضغها الوحش ورماها من علو ؟!
قمر الصغيرة ذات الضفيرة؟!
بكى عليها زميلها الذي جاورها في المقعد والدرس!
وبكتها كل التلميذات في الصف؟
وبكتها مدينتها!
إلا قاتلها!
فقد قتلها ، قتل الشمس والبراءة والطهر!
وانتزع الأمن والآمان من كل البراءة لوقت طويل!
حتى عرش الخوف في قلوب أطفال الحارة وباتوا يبكون ، ولا يريدون الذهاب إلى المدرسة إلا بأياد الأهل!

لم أدر بأنني بعد صباح سأبكيها ، وأنعيها ، وأمسك بضفائر الشمس ، وأضغط على أناملها الطرية ، أحدثها. ألا طفها.أضحك ولا ترد علي بضحكة تجلجل السرير وحيطان غرفتها .
آه على نكبة أم ببنتها ، ساقتها إلى الموت ، إلى الحتف بإشارة منها!

شاب أمسك السكين بيد، وأغلق ثغرها بيد، وحملها إلى مكان منعزل، خافت قمر، ارتعدت ، فمسكها، فهربت من ذئب ، ولم تنس وصية أمها، فرماها من شباك، وارتطمت في الأرض؟!
الكل بكاها، ولكن قمر قالت: مازلت الأولى بين رفاقي!

وما زلت أردد تحية العلم ، ويصفق لي كل التلاميذ ، وتشير إلي آنستي ، وتضحك لي إدارة المدرسة !
ماما : لقد حفظت الدرس، ولكن الذئب غدر بي ، ورحلت بكتبي وأوسمتي نحو الشمس.

* قصة بحدث من الواقع المزروع بالزهر والشوك ، و يضج بالعيب في صمت.